top ad

الجمعة، 15 أكتوبر 2010

بناتى وقت الصلاة




تعلمت بنـْتى الزحف من عمر تسع أو عشر شهور تقريبا لا أذكر بالضبط ، و كانتا فى تلك الأيام تتأملانى و أنا ألبس اسدال الصلاة ، و تندهش بشدة لحظة وضع رأسى داخله و اختفاءها حتى موعد الخروج من الجهة الأخرى . . و كنت أراقبهما عبر نسيج القماش و أرى الدهشة المخلوطة بالإعجاب واضحة عليهما بشدة .. هنا قررت ان أجعل من الإسدال و حركته المرنة أثناء اللبس شخصية كرتونية تحبها بنـْتى "جى" و "هوهوز" ، لعلها تربطهما بالصلاة . . و فعلا من اول لحظة لمرور رأسى عبر شريط الإسدال أصبحت اخفى رأسى داخله و أحركها مع يدى كأنهم شبح خرج من واحد من أفلام الكرتون . . كنت عايش دور شبح ، شبح خفيف الظل . . فتضحك البنتان و تقهقهان حتى تستلقى "هوهوز" على قفاها ، أما "جى" تبدأ فى رفع قدميها فى الهواء و كأنها تكاد تصفق بهما فرحا و مرحا .

كنت أتعمد ادخال السرور على نفسي "جى " و "هوهوز" لكى أكون رابط شرطى بين السعادة و الفرح و بين الصلاة لعله ينعكس عليهما عندما يبلغا سن التكليف .

و مرت الأيام و انا معتقدة ان الإسدال هو كل رابط بناتى بالصلاة ، إلا انهم عندما بلغتا شهرهما الحادى عشر غيرتا من سلوكهما تجاه دخولى فى الصلاة . . فقد كانتا تتفحص كل حركة اقوم بها من وقوف و ركوع و سجود حتى التشهد و التسليم ، فقد كانت "جى " و "هوهوز" تراقبانى باندهاش و كأنهما تفاجئان فى كل مرة بآداء نفس الحركات .


و بعد أن بلغ عمرهما سنة ، بدأت "جى " و "هوهوز" تعتادا على أمر صلاتى و فقدتا اندهاشمها ، لدرجة انهم بقوا بيستوا اللحظة اللى ح أرفع فيها رأسى من السجود عشان تجرى تنام مكان رأسى ؛ مما يدفعنى لتغير مكان كل سجدة و آخرى .

لم يدم هذا الحال طويلا ، فقد قررت بنتى عدم انتظارى حتى أرفع رأسى من السجود ، ففور فرد سجادة الصلاة أصبحت كل منهما تفرد جسمها فوقها هى الأخرى مما يدفعنى للصلاة خارج حدود السجادة . . و استمر بنا الحال على هذا المنوال إلى سأمت "هوهوز" النوم فى حالة سكون على سجادة الصلاة و بدأت فى الشقلطة و القفزو الترفيس ثم تطور بها الأمر إلى ان أصبحت تلقى بنفسها فى حضنى . . و كانت تشعر بالسكينة و الراحة و الحنان لو تصادف قيامى من السجود للدخول فى التشهد سواء كان فى منتصف الصلاة او فى نهايتها .

أما "جى" ، فرغم انها تعشق الإستقرار إلا انها تتأمل كل ما يدور حولها لتتخير التوقيت و الأسلوب المناسب للتغير . . و فعلا ً قررت ان تنضم لفريق "هوهوز" للأحضان الدافئة . . و أصبحت الإثنتين على موعد مع اول لحظة لجلوسى للتشهد لأضمهما و تحديدا ليلقيا بنفسهما فى صدرى وخوفا عليهما من السقوط و فعس احدهما الآخرى ، اضمهما فعلا .

و تنوع الأمر ما بين أحضان مع بداية التشهد و نوم قبل السجود . . إلا ان قررت "هوهوز" و "جى" ان تستكملا لعبهما و أن لا تلتفت إلى إلا وقت جلوسى للتشهد .


ثم انصرفتا عنى لبضعة أيام لكى أصلى فى خشوع و سكينة و راحة ، و ده طبعا مش لسواد عيونى و لكن عشان يلعبوا بحرية دون تدخل منى بكلمة كخ و عيب و تؤ تؤتؤ ؤتؤ و لأ . . الغريب ان بناتى ما أهملتنيش بشكل كامل ، لأ خالص ، دول أول ما يشفونى أمسك بالإسدال ؛ فورا يجروا على أقرب مصلية و يجبوهالى ، لدرجة انى أتعود أطلبها منهم . . و فى مرة طلبت المصلية من " جى " فبصت بشكل تلقائى على المكان المعتاد للمصليات ، فملقتهاش ، سبتنى وراحت تكمل لعب ، لكن "هوهوز" دورت على المصلية فى حد ذاتها مش بصت فى المكان او خلاص، ل دى كلفت خاطرها و دورت. . لأ أبدا مش زيادة ذكاء من هوهوز ، لكن لأنها متعهدة الفركشة فى بيتنا وواخدة توكيل النعكشة الأوحد فى العيلة ، و طول ما هى ماشية تشد سجاجيد ، تقلب كوبايات ، تشد شلت ، تنور نور النجف و ده طبعا بعد ما تطلع على دراع الكنب .


طبعا أى حد ح يدخل بتنا و يطلب المصلية ح يلاقى مارثون بيتنصب عشان تحقيق الهدف المراد ، بشرط ان كلمة السر تكون المصلية مش سجاد الصلاة . . فـ "هوهوز" و "جى" يعرفوها باسم "مصلية" . . و انا تجرأت مرة و حاولت اطلب منهم سجادة الصلاة فكانتا لا تلتفت إلى ولا للاسدال .

و تغير سلوك بناتى مع المصلية ؛ و أصبحتا تلعبان بعيدا عنى و عن سجادتى اثناء صلتى ، و هذا الأمر يرجع لسر عجيب ، و إذا عرف السبب بطل العجب . . الظاهر ان بناتى فهمت اننى مش ح أخرج من صلاتى و مش ح ألأعب معاهم و لا أضحك و لا حتى ح أرمش ، و ده استنتجته لما واحدة منهم تبقى شبطانة فى حاجة و انا عاملة مش واخدة بالى ، فتفضل هى منهمكة فى العياط و انا منهمكة فى حكاية "انى مش واخدة بالى " . . اهم اول ما المنهمكة دى تشوفنى بألبس الإسدال تصرخ بقوة كأنها بتقولى " ما تدخليش الصلاة إلا بعد ما تجبيلى إللى انا عيزاه " . . طبعا أنا بأبدأ الصلاة ، و طبعا هى بتفتح الإستريو ــ استوريو العياط ـــ و لما تتأكد انى جوة الصلاة فعلا تبدأ تنزل بالنبرة واحدة واحدة واحدة ، لحد ما تسكت خالص و تلعب مع نفسها او مع أختها و كأن العياط ده كان جاى من عند الجيران .


و الظاهر ان حكاية انى فى الصلاة ما بأضحكش معاهم و ما بألعبش و ما بأرمش لفت نظرهم لدرجة ان هوهوز قررت تساعدنى انى أغير سلوكى زى ما هما غيروا . . و بدأت "هوهوز" تضرب على ضهرى و انا ساجدة ، فلقتنى ما بأتحركش . . قالت ، لأ الحكاية عايزة عنف أكتر فبدأت تضرب على رأسى و انا ساجدة ، برضه النتيجة صفر . . الظاهر ده زود التحدى جواها ، فقعدت على رأسى و بدأت تنطتت عليها بكل جسمها . . لأ لأ ، ما تتوجعوش أوى كدة ، الموضوع مش مؤلم ولا حاجة . . مش عايزة حد يتصور انه بيشوف فيلم فجر الإسلام و يتفتكر الكفار و هما بيعذبوا المسلمين ، لأ الحكاية مش كدة ، فى الهاية دول رضع ، و إيديهم و جسمهم أصغر و اضعف من عمل إى اصابات ، فيما عادى لما بيقرروا يلطشوا فتبقى ايديهم بتلسع زى ما يكون حد بيحدفك بحصى ، فما كان صغير لك التوالى بيخليه بيلسع و بس .


يرجع مرجوعنا لفيلم فجر الإسلام و المشهد التمثيلى لتعذيب "هوهوز" ليا و انا بأصلى ، بعد الطبطة على ضهرى ثم كتفى ، و القفز فوق رأسى ، ثم التراجع تدريجيا إلى الطبطبة على راسى و أنا ساجدة . . و انا صامدة و ساكتة .

هنا وجدت "هوهوز" ان الصرخة هى الحل .

فابنتى هوهوز لها صوت لكاء قادر على نسف مدينة بأكملها ، فهو رتيب بشكل قادر على خلع قلاع من جذورها و للأمانة هو تمثيل للبكاء ، لكنها تجيد أداءه بشكل رتيب مش يخرجك من الصلاة ده يخرجك من هدومك و لا مؤاخذة . . و اصرار "هوهوز" على الراتبة و السرسعة يشعرك انك فى تدريب عسكرى يمرنك على الثبات و التحكم فى الأعصاب . . و قررت "هوهوز" استخدام هذا الرنين الشوكى إللى لو عرفت بيه أمريكا لأستخدمته فى جوانتانمو و لو اكتشفوه العرب كانوا عملوه سي دى و كل بيت فى غزة شغله لحد ما يوصل لتلت أبيب .


و بعد فشل هوهوز فى ان ألتفت إليها أثناء الصلاة قررت ان تقوم بإغرائى ، فمرة تلوح لى بعروستها اللعبة و انا أقرأ الفاتحة ، و مرة أخرى تقرب من فمى لعبة فقاعات الصابون عشان انفخها و اطلع فقاقيع و هى تفرقع . .. و النتيجة انى سبتها فعلا تفرقع فقربت منى و للمرة الثالثة مع مزيج من الإلحاح التليفون اللعبة إللى بيطلع مزيكة على امل ان أشغله لها ــ مع العلم انها لسة ما بتتكلمش ــ و مش قادرة أتوقع شكل إلحاحها بعد ما تتعلم الكلام ــ احنا ان شاء الله ح ننطرش ، ابقوا تعالوا زورونا .


و لم تيأس "هوهوز" رغم كل محاولتها الفاشلة باغرائى بلعبها . . و عندما تأكدت انى لن أنصرف عن صلاتى لأى سبب ، قررت ان تعود لقواعدها سالمة بإلقاء نفسها فى حضنى اثناء التشهد . لكنها لم تنسى تحديها لى لذلك قررت أن تعبر عنه اثناء وضوئى . . ففور خلعى للشبشب لكى أغسل رجلى ، تسارع بحمله و تخرج جارية من الحمام و كأنها تقول لى : " ورينى ح تتوضى إزاى و ح تصلى إزاى "
هذه القصة بقلم : السيناريست / سمر العـزب

و لكم تحياتى
مامى لأول مرة